الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***
وسأذكر بعض التلاميذ الذين تأثروا بابن أم قاسم وأخذوا عنه. وذلك حسب الترتيب الزمني في وفياتهم. 1- ابن هشام الأنصاري: نسبه: هو عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري الشيخ جمال الدين الحنبلي النحوي المصري الفاضل العلامة المشهور أبو محمد. مولده: قال ابن حجر في الدرر الكامنة: ولد في ذي القعدة سنة 708هـ ثمان وسبعمائة. من حياته: لزم الشيخ الشهاب عبد اللطيف بن المرحل وتلا على ابن السراج، وسمع من أبي حيان ديوان زهير بن أبي سلمى ولم يلازمه ولا قرأ عليه، وحضر دروس الشيخ تاج الدين التبريزي، وقرأ على الشيخ التاج الفاكهي شرح الإشارة له إلا الورقة الأخيرة، وتفقه للشافعي ثم اندمج في المذهب الحنبلي فحفظ مختصر الخرقي في دون أربعة أشهر وذلك قبل موته بخمس سنين. وأتقن العربية ففاق الأقران بل الشيوخ، وحدث عنه ابن جماعة بالشاطبية وتخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم. وتصدر للتدريس ونفع الطالبين وانفرد بالفوائد الغريبة والمباحث الدقيقة والاستدركات العجيبة والتحقيق البارع والاطلاع المفرط والاقتدار على التصرف في الكلام والملكة التي يتمكن من التعبير بها عن مقصوده بما يريد مسهبا وموجزا. وكان ابن هشام من كبار علماء اللغة العربية، اشتهر بالتحقيق وسعة الاطلاع والاقتدار على التصرف في الكلام، وذاع صيته في العالم الإسلامي وطارت مصنفاته في غالب الديار. قال ابن خلدون في ابن هشام: مازلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه. مخالفته لأبي حيان: قال الشوكاني في البدر الطالع: كان كثير المخالفة لأبي حيان شديد الانحراف عنه، ولعل ذلك -والله أعلم- لكون أبي حيان كان منفردا بهذا الفن في ذلك العصر غير مدافع عن السبق فيه، ثم كان المنفرد بعده هو صاحب الترجمة -ابن هشام- وكثيرا ما ينافس الرجل من كان قبله أو بالتمكن من البلوغ إلى ما لا يبلغ إليه، وإلا فأبو حيان هو من التمكن من هذا الفن بمكان، ولم يكن للمتأخرين مثله ومثل صاحب الترجمة. وهكذا نافس أبو حيان الزمخشري فأكثر من الاعتراض عليه في النحو لكون الزمخشري ممن تفرد بهذا الشأن وإن لم يكن عصره متصلا بعصره. وهذه دقيقة ينبغي لمن أراد إخلاص العمل أن يتنبه لها فإنها كثيرة الوقوع بعيدة الإخلاص. صفاته: كان ابن هشام يميل إلى التواضع ويعطف على أقربائه ويبرهم ويعطي الفقراء والمحتاجين ويشفق عليهم, وكان دمث الأخلاق، رقيق القلب، سهلا لينا وديعا يحب التعامل مع الناس. ما انتفع به ابن هشام من المرادي: قالوا: إن ابن هشام استفاد من المرادي وتأثر به، وظهر هذا الأثر في الجزء الأول من كتابه المسمى بمغني اللبيب في مواضع متعددة، فنقل لفظه أو اقتبس معناه معتمدا عليه وذلك من كتاب ابن أم قاسم السمعي بالجنى الداني في حروف المعاني. 1- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب في النحو. منه نسخ في أكثر مكاتب أوربا، ودار الكتب المصرية، وطبع في طهران سنة 1274 وفي مصر مرارا. وله عدة شروح: أ- شرح للدماميني. ب- شرح للشمني. جـ- شرح للدسوقي. د- شرح للأمير. 2- قطر الندى وبل الصدى من أهم كتب النحو, عليه شرح المؤلف. طبع بمصر وتونس مرارا، واهتم الإفرنج به فنقله كوجيار إلى الفرنسية، وطبع في ليدن سنة 1887م وعليه شروح كثيرة. 3- الإعراب عن قواعد الإعراب في النحو. منه نسخة خطية في برلين وغوطا. وله شروح. 4- شذور الذهب في النحو. طبع مرارا، وله شروح أكثرها مطبوع. 5- موقد الأذهان وموقظ الوسنان. في أغوص مسائل النحو، منه نسخ خطية في برلين وباريس ودار الكتب المصرية. 6- ألغاز نحوية. طبع بمصر. 7- الروضة الأدبية في شواهد علوم العربية. عول فيها على ابن جني، وهو في برلين. 8- الجامع الصغير. في النحو. بباريس وفي الخزانة التيمورية. وعليه شروح. 9- التوضيح على ألفية ابن مالك. مجلد. 10- رفع الخصاصة عن قراءة الخلاصة. أربعة مجلدات. 11- عمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب. مجلدان. 12- التحصيل والتفصيل لكتاب التذييل والتكميل. عدة مجلدات. 13- شرح التسهيل. مسودة. 14- شرح الشواهد الكبرى. 15- شرح الشواهد الصغرى. 16- القواعد الكبرى والصغرى. 17- الجامع الكبير والصغير. 18- شرح اللمحة لأبي حيان. 19- شرح بانت سعاد. 20- شرح البردة. 21- التذكرة. خمسة عشر مجلدا. 22- المسائل السفرية في النحو. وغير ذلك. وله عدة حواش على الألفية والتسهيل ورسائل وكتب أخرى متفرقة في مكتبات أوربا. وفاته: قال ابن حجر والسيوطي والشوكاني: مات ليلة الجمعة خامس ذي القعدة سنة 761 إحدى وستين وسبعمائة. 2- جلال التباني: نسبه: هو جلال بن أحمد بن يوسف التيزيني -بكسر الفوقانية والزاي وقبلها وبعدها تحتانية ساكنة- المعروف بالتباني -بمثناة ثم موحدة ثقيلة- لنزوله التبانة ظاهر القاهرة, جلال الدين ويقال اسمه رسولا. من حياته: قدم القاهرة فأقام بمسجد التبانة فغلب عليه نسبته إليها, وتقلب بين يدي العلماء. قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة: قدم القاهرة قبل الخمسين، وسمع في البخاري من الشيخ علاء الدين التركماني، وأخذ عنه وعن القوام الإتقاني، وأخذ في العربية عن ابن أم قاسم والقوام والإتقاني والشيخ جلال الدين بن هشام وابن عقيل، وبرع في الفنون مع الدين والخير, وكان فقيها أصوليا نحويا بارعا وأفتى ودرس سنين، وولي وكالة بين المال ونظر الكسوة ومشيخة خانقاه شيخون. وانتهت إليه رياسة الحنفية في زمانه، وعرض عليه القضاء غير مرة فأصر على الامتناع. وقال: هذا فن يحتاج إلى دراية ومعرفة إصلاح ولا يكفي فيه الاتساع في العلم. ودرس بالضرغتمشية والألجهية ومدرسة الجائي وكتب على الفتوى. وممن أخذ عنه ولده الشيخ شرف الدين، والشيخ عز الدين الحاضري الحلبي. وكان له صلة بالأمراء والأكابر، وعظم وضخم وتردد الناس إلى بابه وهو مع ذلك ملازم للاشتغال والأشغال مع الديانة والصيانة. وكان شديد الحرص على ملاقاة العلماء والاجتماع بهم وملازمته لهم، لأنهم كانوا سببا في نبوغه وشهرته وعظمته وعلو قدره. صفاته: كان محبا في السنة حسن العقيدة شديدا على الإلحادية والمبتدعة، وكان ذا همة عالية ومكارم أخلاق، كثير البر على الناس عطوفا عليهم، كثير الصدقة على الفقراء والمحتاجين، وكان له حرمة في الدولة وكلمة مسموعة. مصنفاته: وصنف تصانيف منها: 1- المنظومة في الفقه. 2- شرح المنظومة في الفقه. في أربعة مجلدات. 3- شرح المشارق. 4- شرح المنار. 5- شرح التلخيص. 6- اختصر شرح مغلطاي على البخاري. قال ابن حجر العسقلاني: رأيته بخطه. 7- له تصنيف في منع تعدد الجمع. 8- تصنيف في أن الإيمان يزيد وينقص. 9- له كتاب علق فيه على البزدوي. وفاته: قال السيوطي في بغية الوعاة وابن العماد في شذرات الذهب: مات بالقاهرة في ثالث عشر رجب سنة 793 ثلاث وتسعين وسبعمائة عن بضع وستين سنة. مؤلفاته: مؤلفات ابن أم قاسم: للمرادي مؤلفات بذل فيها كل جهده وكرس حياته من أجلها, فدرس كتب السابقين وتفحصها, فاقتطف منها أزهارها وجنى ما أعجبه من ثمارها, وأضاف ذلك إلى ما حوته قريحته وجاد به تفكيره, فأعجب المعاصرين والخلف فاعتمدوا على مؤلفاته ونقلوا منها وكانت مصدرا لكل باحث ومنارة لكل من يريد أن يسترشد, فنهلوا من معينه الذي لا ينضب ومن علمه الذي لا ينفد, ومن ذلك. 1- الجنى الداني في حروف المعاني. 2- شرح تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك. 3- شرح ألفية ابن مالك. 4- شرح باب وقف حمزة وهشام على الهمزة من الشاطبية. 5- شرح المقصد الجليل في علم الخليل "وتسمى مقدمة ابن الحاجب في علم العروض". 6- شرح المفيد على عمدة المجيد في علم التجويد للسخاوي. 7- رسالة في الجمل التي لا محل لها من الإعراب. 8- شرح الاستعاذة والبسملة، قال السيوطي: قلت: وشرح الاستعاذة والبسملة كراس ملكته بخطه. لم أعثر عليه. 10- تفسير القرآن الكريم في عشرة مجلدات أتى فيه بالفوائد الكثيرة وإعراب القرآن. لم أعثر عليه. 11- شرح الجزولية. لم أعثر عليه. 12- شرح الكافية الشافية. لم أعثر عليه. 13- شرح الفصول لابن معط. لم أعثر عليه. 14- شرح الحاجبية النحوية. لم أعثر عليه. وسأذكر نبذة موجزة عن كل مؤلف عثرت عليه في المكتبات.. وهي: أولا- كتاب الجنى الداني في حروف المعاني: هو كتاب مخطوط مودع بدار الكتب المصرية تحت أرقام 541، 381 عام، وطلعت، وتيمور، ويحتوي على 142 ورقة ومسطرته 19 سطرا. أوله: "بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر يا كريم. الحمد له. بجميع محامده، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد خاتم أنبيائه... وبعد: فإنه لما كانت مقاصد كلام العرب على اختلاف صنوفه مبنيا أكثرها على معاني حروفه صرفت الهمة إلى تحصيلها... إلخ". حقا إنه كتاب قيم عظيم طرق صاحبه فيه الأبواب الموصدة ففتحها على مصراعيها، حيث أنار القارئ طريق الهداية، فقد دقق كلامه، ووضع نصب عينه الحروف ومعانيها فكشف عن غامضها، ويسر الوقوف عليها. وذكرها جملة وتفصيلا، وهي مع قلتها كثر درها وبعد غورها. فقرب البعيد وسهل ما صعب منها، وجعله في متناول أيدينا وسماه الجنى الداني في حروف المعاني. ويحتوي هذا الكتاب الذي ندر وجوده وقل ما يماثله أو يضاهيه على مقدمة وخمسة أبواب، واشتملت المقدمة على خمسة فصول. بين في الفصل الأول حد الحرف، وفي الثاني لماذا سمي حرفا؟ وفي الثالث في جملة الحرف ومعانيه وأقسامه, حتى إنه قال: إن النحويين جعلوا للحرف خمسين معنى. وفي الرابع في بيان عمله، وقال: إنه عامل وغير عامل، والخامس في عدة الحروف وقال: إن بعض النحويين قالوا: إن جملة المعاني ثلاثة وسبعون حرفا، ذكر بعضهم نيفا وتسعين حرفا. ولقد وقف ابن أم قاسم على كلمات أخر مختلف في حرفيتها ترتقي لها عدة الحروف إلى المائة، وهي منحصرة في خمسة أقسام وجعل لكل قسم بابا. فالباب الأول في الأحادي، وهي أربعة عشر حرفا. الهمزة، والباء، والتاء، والسين، والشين، والفاء، والكاف، واللام، والميم، والنون، والهاء، والواو، والألف، والياء، وقد جمعها ابن أم قاسم في كتابه هذا في قولك "بكشف سألتمونيها". ثم بدأ بالهمزة مفصلا ضاربا الأمثلة من القرآن الكريم وأشعار العرب عارضا رأي النحاة فيما يدرو في هذا الموضع وما يطرأ عليه من تغيير. ثم عرض الباء موضحا معانيها زائدة وغير زائدة. وقد يعتمد على رأي سيبويه في عرضه للكلام، فمثلا قال: رد كثير من المحققين سائر معاني الباء إلى معنى الإلصاق، كما ذكر سيبويه، وجعلوه معنى لا يفارقها... وهكذا, عارضا ما في الباب الأول من حروف المعاني مع توضيح وإزالة الغموض وإبراز المحاسن وفي بعض الأحيان يسأل ويجيب ليقرب المعاني إلى ذهن القارئ مزيلا ما فيه من شبهات، وقد يذكر تنبيهات عقب كل قسم من الأقسام، لإبداء ملاحظاته، أو توضيح ما أشكل ولإظهار ما أبهم. عارضا فيه رأي النحاة. فمثلا في تنبيه له "لام الاستغاثة" قيل: هي زائدة, فلا تتعلق بشيء، وقيل: ليست زائدة فتتعلق. وعلى هذا: ففي ما يتعلق به قولان: أحدهما أنه الفعل المحذوف، وهو اختيار ابن عصفور, والثاني: أنه حرف النداء، وإليه ذهب ابن جني، وذهب الكوفيون إلا أن هذه اللام بقية أل... وهكذا يوضح ويبين. وكثيرا ما يعتد برأي ابن مالك ويؤيده، ويعتمد على ابن الناظم في شرحه للألفية وغير ذلك من النحاة البارزين المشهورين أمثال الأخفش وابن الأنباري والزجاج والمبرد وابن يعيش وغيرهم. ثم انتقل إلى الباب الثاني، وهو الثنائي وقسمه إلى ضربين: ضرب متفق عليه ومختلف فيه وجميع ذلك ثلاثة وثلاثون حرفا وهي: إذ، وأل، وأم، وإن، وأو، وأي، وبل، وإذا... إلخ. ثم ذكرها على ترتيب مبينا معانيها وأغراضها عارضا رأي النحاة مؤيدا ما يراه متفقا والمقصود، مستشهدا بكتاب الله وأشعار العرب. ثم ينتقل إلى الباب الثالث في الثلاثي، وهو ضربان: متفق عليه ومختلف فيه وجملة ذلك أربعة وثلاثون حرفا، وهي: أجل، وإذن وإذا وإلا، وإلى، وإما... إلخ، ذكرها مرتبة مبينا معانيها وما يتعلق بها ضاربا لذلك الأمثلة. وقد يذكر فوائد عقيب بعض المسائل، ليعرض فيها رأي النحاة في إيجاز واقتصار، ليقف القارئ على رأي النحاة في مسألة ما. فمثلا قال: فائدة في "لات" قرئ: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} بفتح التاء وضمها وكسرها والفتح هو المشهور، والوقف عليها بالتاء عند سيبويه والفراء، وابن كيسان والزجاج، وبه وقف أكثر القراء وبالهاء عند الكسائي والمبرد وبه قرأ الكسائي. ثم انتقل إلى الباب الرابع في الرباعي، وهو ضربان: متفق عليه ومختلف فيه وجملته تسعة عشر حرفا وهي: إذما، وألا، وأما، وإما... إلخ. ثم ذكرها أيضا على الترتيب. بسطها بأسلوبه بسطا يزيل كل شبهة. وقد اعتمد على أبي حيان، واعتد برأيه معارضا رأي ابن مالك، قال في "حتى": ولا يجوز أن تقول: أكلت السمكة حتى نصفها أو ثلثها، قال الزمخشري: لأن تفعل المتعدي بها الغرض منه أن ينقضي شيئا فشيئا حتى يأتي عليه. وقال ابن مالك: لا يلزم واستدل بقول الشاعر: عينت ليلة فمازلت حتى... نصفها راجيا فعدت يئوسا قال الشيخ أبو حيان: ولا حجة له في هذا البيت... إلخ. ثم انتقل إلى الباب الخامس في الخماسي: وهو ثلاثة أحرف، واحد متفق على حرفيته وهو "لكن"، واثنان فيهما خلاف وهما "أنتما وأنتن" ذكر ذلك مفصلا. وكان يعقب كل قسم من الأقسام بقوله: "والله أعلم". وفي نهاية كتابه قال: وذكر بعضهم أن "كان" الزائدة حرف, وكذلك "أصبح وأمسى" في قول العرب: "ما أصبح أبردها وما أمسى أدفأها" قال: لأن الأفعال لا تزاد. وقد كان حق هذه الألفاظ أن أذكرها في باب الثلاثي والرباعي، وإنما أهملت ذكرها هنا لشهرتها وغرابة القول بحرفيتها. وهكذا كان كتاب الجنى الداني في حروف المعاني بحرا فياضا لمن أراد أن يرتوي، وبلسما شافيا لمن أراد أن يستشفي، ومعينا لا ينضب لمن أحب تزويد نفسه. فنرى ابن هشام في كتابه مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، قد أدلى بدلوه، ونهل من معينه وسار على نهجه واتبع طريقته. ثانيا: شرح "تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" لابن مالك شرحه ابن أم قاسم، وهو كتاب مخطوط في مجلدين ووقع مرة أخرى في ثلاثة, مودع بدار الكتب المصرية ومكتبة الأزهر تحت أرقام 6530 طلعت -63- 1262. أوله: "بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله على التوفيق لحمده... إلخ". وهو كتاب ضخم قيم جمع بين دفتيه قواعد النحو وأسرارها بابتكار يدل على تعمق في النحو، واستكشاف لمخبآته، وإحاطة بأوابده. وهو الفيصل تستحكم الفكرة عنده فيبرزها مدعومة بالدليل النقلي والنظري. فعلق ابن أم قاسم على التسهيل تعليقا يفيد المعنى ويبين المراد، وقد ذيله بفوائد جمة تكشف مقاصده، وتفصح عن مكنونه. ولكنه مال إلى عدم الإكثار والإسهاب، بل وضع الأمر في نصابه دون ملل أو خلل, فبدأ أول ما بدأ بشرح الكلام على حسب طريقة ابن مالك، عارضا آراء النحاة وخلافاتهم، فيعرض أولا كلام المصنف ثم يعقبه بشرحه الوافي المختصر حتى يتسنى للقارئ أن يفهمه دون جهد ونصب وعناء. شافعا ذلك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأمثال العرب وأشعارهم وقد يعرض تلخيصا بعد سرد المسألة وشرحها ورأي العلماء فيها، ليقربها إلى الأفهام, فقال في إلحاق نون الوقاية بقد وقط: "وتلخص من نقل الكوفيين أن من جعلهما اسمي فعل قال: قدني وقطني بالنون وتكون الياء في موضع نصب، ومن جعلهما بمعنى حسب. قال: بغير نون". وقد يأتي بالشاهد ثم يعلق عليه برأيه ورأي النحاة، تسهيلا وتقريبا إلى الأذهان وإزالة الشبهات ورفع الغموض الذي يسيطر على الشاهد، فيبرزه في صورة براقة تصل إلى مدارك المتعلم والقارئ دون تعب ومعاناة. وفي باب إن وأخواتها بين الطريق الذي سار عليه ابن مالك في اقتدائه بالنحاة فقال في إن وأخواتها: "عد المصنف هذه الأحرف خمسة لأن أن المفتوحة فرع من إن المكسورة اقتداء بسيبويه والمبرد في المقتضب وابن السراج في الأصول". ونراه حينما يدخل في باب من الأبواب، فإنه يأتي له بمقدمة من عنده ثم يعرض شرحه وقد يعرض رأي النحاة ذاكرا النص من كتبهم باسطا آراءهم. وقد ينقد ابن مالك في ترتيبه الكلام، ويدافع عنه, ففي العدد, فصل. "استعمل لخمسة عشر ظروف كيوم يوم صباح مساء وبينَ بينَ". قال المرادي: "ليس هذا الفصل من باب العدد في شيء، ولكن استطرد ذكره، لكون هذه الأسماء ناسبت خمسة عشر في تركيبها... إلخ". وقد يعارض المصنف وابنه، ففي باب التعجب قال ابن مالك: "وكذا إن تعلق بهما وكان غير ظرف وحرف جر". قال المرادي: "نحو ما أحسن زيدا مقبلا، وأكرم به رجلا". فلو قلت: ما أحسن مقبلا زيدا وأكرم رجلا به لم يجز بإجماع. قال المصنف: وتبعه في نقل الإجماع ولده في شرح الألفية. وليس كذلك. وقد اعتمد في النقل على كثير من النحاة في شرحه أمثال أبي حيان والمبرد والأخفش والسهيلي والزمخشري وغيرهم. قال في نون التوكيد: قال سيبويه أما يونس وناس من النحويين فيقولون: اضربان واضربنان زيدا، فهذا لم تقله العرب، وليس له نظير في كلامها. واعتمد أيضا على شيخه أبي حيان فقال في زيادة الواو في أو، ولو. قال الشيخ أبو حيان: لم أظفر في تعليله بنص، ويمكن عندي أن يكون زادوا الواو منه للفرق بين أولى حالة النصب والجر وبين إلى الحرف، وحملت حالة الرفع على النصب والجر، ولا أراه تعرض لشيخ آخر من شيوخه في النقل عنه أو التأسي به والسير على نهجه، وقد يعارض النحاة في آرائهم مراعيا ضبط الحقائق مع ترجيح ما يراه ملائما ونافعا مفيدا. فقال في قول ابن مالك: "بلام الابتداء". قال المرادي: زعم أكثرهم أنها مخلِّصة للحال، وليس كذلك لقوله تعالى: {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} [يوسف: 13] فيحزن مستقبل لإسناده إلى متوقع. ونراه يجاري المصنف في "لدن" ويؤيده حينما قال ابن مالك: "نون مكسورة للوقاية وحذفها مع لدن وأخوات ليت جائز". قال المرادي: من حذفها مع لدن قراءة نافع وأبي بكر: "قَدْ بَلَغْتُ مِن لَدُنِي عذرا". قال المصنف: زعم سيبويه أن عدم لحاقها للدن من الضرورات، وليس كذلك، لقراءة نافع. وهكذا كانت عادة ابن أم قاسم يعرض الآراء ويفندها ويرجح ما فيه الفائدة والنفع. وحقا إنه شرح مفيد جعل تسهيل ابن مالك مسهلا على كل قارئ وباحث، فهو منهل لمن أراد أن ينهل من شرابه العذب, حيث أبرز محاسن التسهيل، وجعله قطفا دانيا طيب الرائحة طعم المذاق، ومفتاحا لكل طارق لأبواب النحو, فكان مصدرا وثيقا للنحاة ينقلون عنه ويعولون عليه، وهذا يدل على براعة ابن أم قاسم وحسن لباقته واجتهاده وانكبابه على كتب السابقين والاقتداء بهم. فأخرج مؤلفات وشروحا يانعات قاصدا بها أن تكون هداية للمهتدين وطريقا للسالكين ومرضاة للباحثين. ثالثا: شرح ألفية ابن مالك نسخة مخطوطة في مجلد مودع بدار الكتب المصرية ومكتبة الأزهر تحت رقم 323-150 تيمور -3238. وفي المقدمة: "بسم الله الرحمن الرحيم. فهذا توضيح لمقاصد ألفية ابن مالك رحمه الله يجلو معانيها على طلابها ويظهر محاسنها لخطابها، سألنيه بعض حفاظها المعتنين لاستنباط بعض فوائدها من ألفاظها... إلخ". تمعنت هذا الشرح فظهرت فضائله وبرزت محاسنه، فإذا قرأه قارئ أحس بالارتياح والاطمئان وخرج منه بنتائج باهرة وآراء صائبة. فقد ظهرت شخصية ابن أم قاسم واضحة جلية دلت على قوة قدرته وحصافة رأيه وتجلت فيه مواهبه العظيمة وأفكاره وآراؤه السديدة. ولا شك أنه شرح أوفى على الغاية، وبلغ النهاية. فقد عمل على استكمال ما فات، وانسجام في ترتيب المعلومات، ومن تنسيق في ضم القواعد المتصلة بعضها ببعض. ويمتاز بالدقة والإتقان والسهولة، فلا يحتاج إلى جهد وعناء، مع إيضاحه وبسطه لآراء النحاة ومذاهبهم. ولا نبالغ إذا قلنا: إن هذا الشرح أرشد المؤلفين من بعده، ووضع منهاجا لهم ونسقا يسيرون عليه فإن عنايته كانت متجهة إلى إيضاح ألفية ابن مالك وتبيان مقصودها. والحق أنه غزير المادة، ومن أوفى الكتب بسطا لمذاهب النحاة وتعليلاتهم على نمط العناية والتفصيل. ولا غرابة أن يجمع في شرحه ما جمع فأمامه من المؤلفات القيمة الواسعة من كتب السابقين كارتشاف الضرب والتسهيل وشرحه وغير ذلك. مضيفا إليها ما حوته قريحته وجاد به تفكيره. فكان هذا الشرح مددا لمن بعده من شراح الألفية، ومصدرا وثيقا لدى النحويين، وقد استمد منه المؤلفون، يعولون على آرائه ويعتمدون على أفكاره وقد ظهر هذا واضحا في الناقلين عنه. وإذا درسنا شرح الألفية للأشموني وجدناه قد تتبع أسلوب ابن أم قاسم في الشرح وذكر التنبيهات، ونقل الكثير عنه، وفي بعض الأحيان يذكر نص الألفاظ، والأمثلة على ذلك كثيرة منها: مسألة "1": في باب المعرب والمبني بعد قول الناظم: وقصرها من نقصهن أشهر قال المرادي في التنبيه الثالث: وقد أفرده الأشموني في تنبيه أيضا فقال الأشموني 30/ 1 نقلا عن المرادي: "مذهب سيبويه أن "ذو" بمعنى صاحب وزنها فَعَلَ -بالتحريك- ولامها ياء. ومذهب الخليل أن وزنها فَعْل -بالإسكان- ولامها واو، فهي من باب قوة، وأصله ذوو. وقال ابن كيسان: تحتمل الوزنين جميعا. و"فوك" وزنه عند الخليل وسيبويه: فَعْل -بفتح الفاء وسكون العين- وأصل فوه لامه هاء. وذهب الفراء إلى أن وزنه فُعل -بضم الفاء. وأب وأخ وحم وهن: وزنها عند البصريين فَعَل -بالتحريك- ولاماتها واوات، بدليل تثنيتها بالواو. وذهب بعضهم إلى أن لام حم ياء من الحماية، لأن أحماء المرأة يحمونها وهو مردود بقولهم في التثنية: حَموَان، وفي إحدى لغاته حمْوٌ. وذهب الفراء إلى أن وزن أب وأخ وحم فعْل -بالإسكان. ورد بسماع قصرها، وبجمعها على أفعال. أما "هن" فاستدل الشارح على أن أصله التحريك بقولهم: هنة وهنوات، وقد استدل بذلك بعض شراح الجزولية. واعترضه ابن إياز بأن فتحة النون في هنة يحتمل أن تكون لهاء التأنيث، وفي هنوات لكونه مثل جفنات، ففتح لأجل جمعه بالألف والتاء، وإن كانت العين ساكنة في الواحد. وقد حكى بعضهم في جمعه أهناء، فبه يستدل على أن وزنه فَعَل -بالتحريك". هذا نص كلام المرادي. مسألة "2": في الضمير بعد قول الناظم: وقبل يا النفس مع الفعل التزم... نون وقاية وليسي قد نظم قال الأشموني في تنبيه له 55/ 1 نقلا عن المرادي: "ومذهب الجمهور أنها إنما سميت نون الوقاية لأنها تقي الفعلَ الكسرَ. قال الناظم: بل لأنه تقي الفعل اللبس في "أكرمني" في الأمر، فلولا النون لالتبست ياء المتكلم بياء المخاطبة، وأمر المذكر بأمر المؤنثة، ففعل الأمر أحق بها من غيره، ثم حمل الماضي والمضارع على الأمر". مسألة "3": في اسم الموصول بعد قول الناظم: وصفة صريحة صلة أل... وكونها بمعرب الأفعال قل قال الأشموني في تنبيه له 76/ 1 نقلا عن تنبيه أيضا للمرادي: "تنبيه... شذ وصل "أل" بالجملة الاسمية كقوله: من القوم الرسول الله منهم... لهم دانت رقاب بني معد وبالظروف، كقوله: من لا يزال شاكرا على المعه... فهو حر بعيشة ذات سعه مسألة "4": في اسم الموصول بعد قول الناظم: في عائد متصل إن انتصب... بفعل أو وصف كمن نرجو يهب قال الأشموني في التنبيه الثاني 80/ 1 نقال عن المرادي من التنبيهين الرابع والخامس: "إذا حذف العائد المنصوب بشرطه ففي توكيده والعطف عليه خلاف: أجازه الأخفش والكسائي، ومنعه ابن السراج وأكثر المغاربة. واتفقوا على مجيء الحال منه إذا كانت متأخرة عنه نحو: هذه التي عانقت مجردة، أي: عانقتها مجردة، فإن كانت الحال متقدمة -نحو هذه مجردة عانقت- فأجازها ثعلب ومنعها هشام". مسألة "5": في المعرف بأداة التعريف بعد قول الناظم: .................................... كالفضل والحارث والنعمان قال الأشموني في تنبيه له 86/ 1 نقلا عن المرادي في تنبيه له أيضا: "تنبيه: في تمثيله بالنعمان نظر؛ لأنه مثل به في شرح التسهيل لما قارنت الأداة فيه نقله، وعلى هذا فالأداة فيه لازمة، والتي للمح الأصل ليست لازمة". مسألة "6": في كان وأخواتها بعد قول الناظم: ............................. وكل سبقه دام حظر قال الأشموني 113/ 1 نقلا عن المرادي: "وفي دعوى الإجماع على منعها نظر، لأن المنع معلل بعلتين: إحداهما: عدم تصرفها، وهذا بعد تسليمه لا ينهض مانعا باتفاق, بدليل اختلافهم في ليس مع الإجماع على عدم تصرفها. والأخرى أن "ما" موصول حرفي ولا يفصل بينه وبين صلته، وهذا أيضا مختلف فيه, وقد أجاز كثير الفصل بين الموصول الحرفي وصلته، إذا كان غير عامل كما المصدرية". مسألة "7": في الفاعل بعد قول الناظم: .................................... وشذ نحو زان نوره الشجر قال الأشموني 781/ 1 نقلا عن المرادي: "قال الناظم: والنحويون -إلا أبا الفتح- يحكمون بمنع هذا، والصحيح جوازه، واستدل على ذلك بالسماع وأنشد على ذلك أبياتا, وذكر الأشموني أبياتا, وذلك لجوازه وجها من القياس, وممن أجاز ذلك قبله وقبل أبي الفتح من البصريين والطوال من الكوفيين. وتأول المانعون بعض هذه الأبيات بما هو خلاف ظاهرها. وقد أجاز بعض النحاة ذلك في الشعر دون النثر، وهو الحق والإنصاف؛ لأن ذلك إنما ورد في الشعر". مسألة "8": في النائب عن الفاعل بعد قول الناظم: ولا ينوب بعض هذي إن وجد... في اللفظ مفعول به وقد يرد قال الأشموني في تنبيه له 184/ 1 نقلا عن المرادي: "إذا فقد المفعول به جازت نيابة كل واحد من هذه الأشياء قيل: ولا أولوية لواحد منها، وقيل: المصدر أولى، وقيل: المجرور، وقال أبو حيان: ظرف مكان". مسألة "9": في المفعول به بعد قول الناظم: والعكس في مصحوب أل قال الأشموني في خاتمة له 217/ 1 نقلا عن المرادي في تنبيه له. "إذا دخلت "أل" على المفعول له أو أضيف إلى معرفة تعرف بأل أو بالإضافة، خلافا للرياشي والجرمي والمبرد في قولهم: إنه لا يكون إلا نكرة، وإن "أل" فيه زائدة، وإضافته غير محضة". وقد أحسن ابن أم قاسم في أن نسب الآراء إلى أصحابها المتقدمين، وهو كثير لا يقع تحت حصر. وكان موقفه من ابن مالك موقف الناقد البصير. يناقشه فيما يستحق المناقشة ويؤيده فيما يستحق التأييد. وذلك لما له من سعة اطلاع مكنه من معرفة آراء السابقين والحكم عليها بعد الموازنة بينها، وقد كثر استشهاده في هذا الشرح بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأشعار العرب وأمثالهم. وهكذا كان ابن أم قاسم في مادته العلمية بحرا فياضا بذل جهده وكرس حياته من أجل إيجاد قطوف دانية يتناولها القاصي والداني. رابعا: شرح باب وقف حمزة وهشام على الهمز من الشاطبية للقاسم ابن فيره بن خلف: نسخة في مجلد بقلم نسخ بخط أحمد بن يوسف السمنودي الشاذلي الأحمدي. فرغ منه في ذي الحجة سنة 1228هـ مجدولة بالمداد الأحمر في 53 ورقة ومسطرتها21. مودعة بدار الكتب المصرية قسم المخطوطات تحت رقم 42. نبذة عن الكتاب: بدأ المرادي كتابه بتعريف الوقف لغة واصطلاحا، ثم قسم الوقف إلى أربعة أقسام: اختياري واضطراري واختباري وتعريفي، وقال: لا فرق بين أن يكون الوقف على الهمز في هذا الباب اختياريا أو غيره. وقال فيه: بدأ الناظم بحمزة أولا في قوله: وحمزة عند الوقف سهل همزه... إذا كان وسطا أو تطرف منزلا لأنه أقعد الباب ثم أردفه هشاما. ونرى المرادي أتى بأبيات من الشاطبية ثم شرحها شرحا مفصلا معتمدا فيه على آراء القراء ساردا كل رأي في حرية وطلاقة. ففي البيت الأول -بعد أن عرض كلام الناظم بأسلوب يتفق والبيت- وفي آخره قال: هذا نقل الناظم ثم قال: وروى الضبي عن سليم تخفيف الهمز الواقع أول الكلمة مطلقا، ونقل الحافظ أبو العلاء عن حمزة تخفيفه مطلقا إذا تقدمه حرف ولو منفصلا. قال أبو الفتح ابن سَبْطا: لأنها باتصالها بما قبلها تصير كالمتوسط. وكان أبو طاهر لا يأخذ فيها إلا التخفيف. وقد ينسب إلى الناظم وغيره في بعض الأحيان النسيان وعدم الانتباه في رأيه معللا ذلك. فمثلا بعد قول الناظم: وحمزة عند الوقف... إلخ. قال في تنبيه له بعده: "روي عن حمزة أنه قال: إذا كان الوقف على المهموز بغير همز يزيل المعنى فالوقف بالهمز. فمن القراء من انتبه كطاهر بن غلبون ومنهم من لم ينتبه كالداني والناظم، ولذلك أطلق في قوله: وحمزة عند الوقف سهل همزه. وبعد أن ينتهي المرادي من شرح البيت يعربه زيادة في توضيح معناه ولا يغفل عن الأمثلة الكثيرة للاستفادة منها. وقد يعلل التقديم في كلام الناظم. فمثلا: فأبدله عنه حرف مد مسكنا... ومن قبله تحريكه قد تنزلا قال المرادي: أبدأ بالهمز الساكن لقلة أحكامه. وقد يعقب على البيت بفائدة أو تنبيه يعرض فيهما ما يستنتجه من بيت الناظم. فمثلا بعد قول الناظم: فأبدله عنه حرف... إلخ, قال في تنبيه له: "وافق الرسم القياس في هذا النوع إلا مع همز الوصل ولم ترسم في ادَّارأتم والرؤيا". وفي تنبيهاته قد يوضح كلام الناظم بطريقة بلاغية مشوقة للنفس تقريبا للأذهان وتوضيحا للعبارة، فتراه مثلا بعد قول الناظم: ويسمع بعد الكسر والضم همزه... لدى فتحه باء وواو محولا قال: جمع الناظم بين الكسر والضم أولا ثم جمع بين الياء والواو ثانيا فانصرف الأول للأول والثاني للثاني, ويسمى هذا في علم البديع لفا ونشرا وهو ضربان: مرتب كقوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: 73]... ومعكوس كقوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 107]. وقد ينوه إلى ذكر بعض الوقائع تمكينا للكلام وتأييدا للكلام وتأييدا للرأي. فمثلا بعد قول الناظم: ويبدله مهما تطرف مثله... ويقصر أو يمضي على المد أطولا حكى ابن جني في الخصائص أن شخصا ادعى عند الزجاج أنه يجمع بين ألفين وأخذ يطول صوته يقال ويمططه, فقال له الزجاج لو مددتها إلى العصر هي الألف واحدة. وقد يتعرض لذكر تعريف بعض الأعلام كالأخفش مثلا.. واعتمد المرادي في كتابه هذا على كثير من الأعلام مثل الأخفش وسيبويه وأبي شامة ويونس وغيرهم، وقد يعرض رأيه في بعض الأبيات المشكلة التي اضطرب في شرحها بعض الشراح فقال في قول الناظم: وما قبله التحريك أو ألف محرْ... رَكا طرفا فالبعض بالروم سهلا ومن لم يرم واعتد محضا سكونه... وألحق مفتوحا فقد شذ موغلا قال المرادي: هذان البيتان من المشكلات وقد اضطرب في شرحهما شارحو القصيدة, وأنا أذكر ما وقفت عليه من كلامهم والله الموفق. فأقول: اعلم أن البيت من هذين البيتين يحتمل أن يكون من البيت الذي قبله... وهكذا عارضا رأي أبي عبد الله الفاسي وسيبويه. وقد يتعرض لبعض الأمثلة القرآنية في مسائل يوضح فيها الآية, واضعا نصب أعيننا أوجه القراءة حتى يستطيع القارئ فهمها وتدبرها, فمثلا مسألة في قوله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} [النور: 35] يجوز فيها نقل حركة الهمزة إلى الياء مع الإسكان والروم والإشمام، ويجوز المد والقصر في الياء على وجه الإسكان ووجه الإشمام صارت خمسة أوجه, ويجوز حذف الهمز للرسم فيمد ويقصر ويندرجان, ويجوز الإدغام مع الإسكان والروم والإشمام فالمجموع ثمانية. ونرى المرادي يعقب على كل مسألة من هذه المسائل بنظم بديع يسهل على الإنسان الفهم والإدراك, وقد تعددت هذه المسائل في آخر الباب وكثرت. وقال عقيب المسألة المتقدمة: يضيء قياسه نقل بروم... وإسكان وإشمام وحذف ومع نقل بلا روم وحذف... يمد وقصره إن شئت فاقف وأدغم ثم أسكن أو فأشمم... ورم أيضا فخذ نظما يخف ومجموع الأبيات المشروحة من الشاطبية هو 17 سبعة عشر بيتا. شرح المرادي كل بيت عارضا رأي القراء والنحاة, فسار على هدي الهداة ونهج الناهجين حتى لا يفلت الزمام من يده, فاستنار بآرائهم. ثم أعقب الكلام كله بمسائل متفرقة ومتنوعة جمع فيها آراء القراء والنحاة وأعقبها بشيء جميل تحرص عليه النفس ولا تنساه، وهو نظم لطيف يمكن القارئ من الاستفادة المثمرة. خامسا: شرح المقصد الجليل في علم الخليل هو شرح للمقصد الجليل في علم الخليل الذي نظمه جلال الدين أبو عمر عثمان بن عمر بن أبي بكر المعروف بابن الحاجب المالكي النحوي المتوفى عام 646هـ, وتسمى مقدمة ابن الحاجب في علم العروض وتحتوي على ثلاثين ورقة. ضمن مجموعة مخطوطة. مودع بدار الكتب المصرية تحت رقم 73 مجاميع. وأول هذه القصيدة: الحمد لله ذي العرش المجيد على... إلباسه من لباس فضله حللا ثم على المصطفى الهادي صلاة فتى... يرجو لها سكن الفردوس مبتهلا وبعد إن عروض الشعر قد صعبت... نثرا فخذ نظمها تجده قد سهلا نبذة عن شرح المقصد الجليل: نرى المرادي في شرح هذه القصيدة أوجز فيها العبارة واكتفى بالإشارة، وهو مع ذلك كافل لفتح مغلقها وإيضاح مشكلها واف بشرح مقاصدها ومذيل بفوائد لفوائدها، وقد عرف أولا العروض في اللغة وذكر اشتقاقه ثم تعرض لموضوعه وفائدته وبين الزحاف والعلل، وأوضح الكلام في إيجاز مفيد على ضوء القصيدة مستنيرا بها. ثم تعرض للبحور ولماذا سميت بحورا؟ ثم تكلم عن الدوائر العروضية فقال: إن جميع البحور الخمسة عشر أو الستة عشر منحصرة في خمس دوائر وهي: دائرة المختلف، ودائرة المؤتلف، ودائرة المجتلب، ودائرة المشتبه، ودائرة المتفق, وهكذا. ثم رسم صورة لكل دائرة وضع على محيطها الحركات والسكنات حتى يسهل للقارئ معرفتها وعرف كل قسم من أقسام الشعر الثلاثة وضرب له الأمثلة. وبعد ذكر الزحاف والعلل عرف كل نوع على حدة وما يتعلق به ذاكرا الخلاف الذي وقع بين الخليل وغيره، ولا أرى المرادي ذكر رأيا له في هذا الباب, بل كان كل عمله هو الشرح والتوضيح في كلام موجز مقتضب مفيد. وابن الحاجب يذكر البحر ثم أعاريضه مفصلا, وما على المرادي إلا أن يفند ويضرب الأمثلة لكل ضرب من الأضراب تقريبا للأذهان, مستدلا بذلك من أشعار العرب, ذاكرا كل بحر وما يعرض له من تغيير، وقد يعلق على بيت من أبيات القصيدة بتنبيه يذكره دون أن يعترض على كل شيء كما حدث في آخر الطويل فقال: "تنبيه: جرت عادة أكثر أهل العروض عند ذكرهم زحاف كل بحر أن يجمعوا العلل والزحاف من غير تمييز لأحدهما عن الآخر كما فعل الناظم...". ونقل عن الفراء في بحر المقتضب فقال: "والطي فيه أحسن من الخبن وقد منعه بعضهم. وزعم الفراء ومن وافقه أنه لا مراقبة بين الواو والفاء في مفعولات وأنه يجوز خبله فينقل إلى فعلات...". ثم انتقل بعد ذلك إلى القافية موافقا لترتيب ابن الحاجب، قال المرادي: لما كان الشاعر محتاجا إلى علم القوافي كحاجته إلى علم العروض أكمل قصيده بالمتمم. وعرف القافية وسبب تسميتها بذلك, وقال: ذكروا في تعريف القافية عشرة أقوال. سرد هذه الأقوال وأوضحها ولم يعلق على شيء من هذه التعاريف, إلا أنه قال معترضا على التعريفين التاسع والعاشر بقوله: وفي ذكر هذا القول والذي قبله نظر، والله أعلم. ونراه يعتذر عن الناظم في الاقتضاب ففي البيت: كوس وركب وتررد فهم... ألقابها متفاعلن إذا انتقلا قال: القوافي خمسة أقسام وألقابها المتكاوس والمتراكب والمتدارك والمتواتر والمترادف ويجمع في "سكرف" ولما لم يمكن الناظم ذكر ألفاظها قال كوس... إلخ. ثم عرف المرادي كل لقب من هذه الألقاب مع ضرب الأمثلة التي تظهر المعنى وتوضحه, وسبب تسمية كل منها. ثم شرح الأبيات التي تشتمل على الحروف والحركات اللازمة للقافية وهي ستة, معرفا كل قسم وسبب تسميته, ضاربا لذلك الأمثلة. وأخيرا شرح الأبيات التي تذكر عيوب القافية وهي خمسة, وعرف كل قسم منها، وأيضا لا أرى في هذا الشرح سوى التوضيح الموجز لهذه القصيدة، فما هو إلا تبيين لها وليس له رأي في ذلك بل عرض رأي الخليل والمخالفين له. وقد اعتمد في النقل على بعضهم كالفراء وابن قطاع والأخفش وغيرهم. سادسا: شرح المفيد على عمدة المجيد في علم التجويد للإمام السخاوي نسخة في مجلد صغير الحجم. مودع بدار الكتب المصرية قسم المخطوطات تحت رقم 462 تيمور وأول متن عمدة المفيد للسخاوي "نونية": يا من يروم تلاوة القرآن... ويرود شأو أئمة الإتقان لا تحسب التجويد مدا مفرطا... أو مد لا مد فيه لوان أو أن تشدد بعد مد همزة... أو أن تلوك الحرف كالسكران وآخره: فانظر إليها وامقا متدبرا... فيها فقد فاقت بحسن معان واعلم بأنك جائر في ظلمها... إن قستها بقصيدة الخاقاني نبذة عن شرح المفيد: أوله: الحمد لله الذي شرفنا بحفظ كتابه... ثم قال: ولما كانت نونية الإمام العالم أبي الحسن عليّ بن محمد بن عبد الصمد السخاوي المقرئ النحوي, المسماة عمدة المجيد في النظم والتجويد من المقاصد النافعة... تكرر عليَّ سؤال بعض المشتغلين أن أشرحها شرحا يعين على فهمها وينوه على ما اشتملت عليه مع صغر حجمها من بديع محاسنها وغزير علمها فأجبته إلى ذلك... واشتمل هذا الشرح على مقدمة تحوي خمسة فصول: الأول: في تعريف علم التجويد, ثم بين أن تجويد القرآن يعتمد على أربعة أمور. شرح ذلك معتمدا على أبي عمرو الداني. الثاني: في مخارج الحروف، وقال: إن حروف العربية تسعة وعشرون حرفا وجملة مخارجها عند سيبويه رحمه الله وأكثر المحققين ستة عشر مخرجا. ثم شرحها يبين المعنى موضحا للطالب ما يريد, معتمدا في ذلك على سيبويه, ومستدلا بأمير المؤمنين عمر. قال: "وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخرج الضاد من الجانبين وأدنى حافته إلى طرفه ومحاذي ذلك من الحنك الأعلى". وقال سيبويه في اللام: "فوق الضاحك والناب والرباعية والثنية وذلك أن مخرج اللام أقرب إلى مقدم الفم من مخرج الصاد". الثالث: في بيان ما يعرف به مخرج الحروف وذكر الفروع، وقال: إن لهذه الحروف فروعا تستحسن وفروعا تستقبح، وقد بلغت الحروف بفروعها خمسين حرفا, معتمدا في شرح هذا على رأي سيبويه والأخفش وابن خروف وابن عصفور, فقال: "وقال ابن عصفور: الذي يبين لك أن النون المخفية ليس لها نصيب من الفم أنك لو أمسكت بأنفك حين النطق بها لأخل ذلك بها...". الرابع: في صفات الحروف. وقسم هذه الصفات, معتمدا في شرحها على الكوفيين ومكيّ وشريح والمبرد. قال: "وذهب الكوفيون وتبعهم مكيّ رحمه الله تعالى إلى أن الراء تنحرف كاللام والتكرار صفة الراء لارتعاد طرف اللسان عند النطق بها...". الخامس: في انقسام هذه الصفات إلى مميز ومحسن وذي قوة وذي ضعف, معتمدا في ذلك على الرماني والمازني. قال: "قال المازني رحمه الله تعالى: الذي فصل بين الحروف الذي ائتلف منها الكلام سبعة أشياء...". وبعد أن أنهى المقدمة شرع في شرح أبيات متن عمدة المجيد مبينا الغرض من هذه الأبيات وكل ما يتعلق بها, ثم سرد روايات منها: "روي عن أبي بكر بن عياش رحمه الله تعالى أنه كان يقول: إمامنا يهمز مؤصدة فأشتهي أن أسد أذني إذا سمعته يهمزها"... وقد يوضح كلام الناظم بالاستشهاد. فقال فبعد قوله: وامدد حروف المد عند مسكن... أو همزة حسنا أخا إحسان قال: والمد الطبيعي كالمد في الرحمن الرحيم. وروى البخاري قال: سئل أنس بن مالك رضي الله عنه: كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان يمد مدا. ثم قرأ بسم الله الرحم الرحيم... أخذ يشرح الآيات متعرضا للقراءات السبع وقال: إنهم متفاوتون في مقدار المد فأطولهم مدا ورش وحمزة ثم عاصم ثم ابن عامر والكسائي ثم قالون وابن كثير وأبو عمرو, ضاربا لذلك الأمثلة. فسار المرادي في طريق المتن شارحا حروف العربية وما يترتب عليها من قراءات واستعمالات, وكان عقيب شرح كل بيت يقول: والله أعلم. وقد يتعرض لكثير من الخلافات في المسائل ليتحقق القارئ من معرفة ما وصل إليه كل مذهب من هذه المذاهب وموقف الناظم من ذلك. فبعد قوله: لكن مع البا مع إبانتها وفي... إخفائها راياتُ مختلفاتُ قال المرادي: "أجمع القراء إلا من شذ على أن الميم الساكنة لا تدغم في الباء ثم اختلفوا هل تظهر أو تخفى على ثلاثة أقوال: أحدها أنها تظهر ولا تخفى وإليه ذهب كثير من المحققين منهم طاهر بن غلبون وابن المنادى والإمام شريح وبه جزم مكيّ. والثاني أنها تخفى وإليه ذهب قوم منهم أبو الحسن الأنطاكي وأبو الفضل الخزاعي. والثالث التخيير في إظهارها وإخفائها ونسبه بعضهم إلى ابن مجاهد. وليس في كلام الناظم ترجيح...", وهكذا نراه يعارض الخلافات المطولة ليستفيد القارئ, وقد يتساءل المرادي ويجيب تعليقا على كلام الناظم بعد قوله: رتل ولا تسرف وأتقن واجتنب........................................ قال متسائلا: فإن قلت: فلم اقتصر الناظم على الترتيل؟ قلت: لأنه أفضل أنواع القراءة قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] وروى مالك عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها. وأخيرا قال المرادي: والغرض من هذه الأبيات التنبيه على ما تحلت به هذه القصيدة من نظم بديع ومعنى رفيع، فلذلك قال: فاقت بحسن معان، وأنفت أن تقاس بقصيدة الخاقاني... ثم قال: فهذا ما يسره الله عز وجل على هذه القصيدة على سبيل الاختصار, وهو بحمد الله وإن صغر حجما فقد كفى وملئ علما. سابعا: رسالة ابن أم قاسم في الجمل التي لا محل لها من الإعراب مذكرة صغيرة ضمن مجموعة، وهي تشتمل على 13 ثلاث عشر صفحة مخطوطة، مودعة بمكتبة الأزهر تحت رقم 1790. ومكتوب عليها: دخلت في نوبة الفقير أحمد السبرطلي سنة 1268هـ. هذه رسالة في الجمل لابن أم قاسم في النحو. نفع الله بها آمين. ومكتوب دعاء لابن مسعود رضي الله عنه أوله: قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما من عبد يدعو الله في يوم عرفة... إلخ، وقد قصت الورقة فلم يتمم الكلام الجانبي. وأول هذه المخطوطة: بسم الله الرحمن الرحيم. سألت وفقك الله عن بيان الجمل التي لا يكون لها محل من الإعراب... بين فيها ابن أم قاسم أن أصل الجملة ألا يكون لها محل من الإعراب؛ لأن أصلها أن تكون مستقلة لا تتعدد بمفرد، ولا تقع موقعه، وما كان من الجمل له محل من الإعراب فإنما ذلك، لوقوعه موقع المفرد وسد مسده، فتصير الجملة الواقعة موقع المفرد جزءا لما قبلها، فنحكم على موضعها بما يستحقه المفرد الواقع في ذلك. ونراه قد ذكر أولا: الجمل التي لها محل من الإعراب بأنها سبع: 1- الخبرية. 2- والحالية. 3- والمحكية بالقول. 4- والمضاف إليها. 5- والمعلق عنها العامل. 6- والتابعة لما هو معرب أو له محل من الإعراب. 7- والواقعة جواب أداة شرط جازمة مصدرة بالفاء أو إذا أو قد. ثم تناول هذه الجملة، وتكلم عليها بإيجاز غير مخل, عارضا رأي النحاة, ضاربا لذلك الأمثلة من القرآن الكريم وأشعار العرب. وكثيرا ما يقف في بعض الأماكن لإزالة الغموض وكشف ما أبهم، ليتسنى للقارئ الفهم والمعرفة على ضوء بسط المسائل وعرضها. فوقف عند الجملة الواقعة بعد "مذ ومنذ" فقال السيرافي: في موضع نصب على الحال. والجمهور: أنه لا موضع لها من الإعراب. وبعد أن أنهى الكلام على هذا القسم وما احتواه من معان وآراء وخلافات، دخل في القسم الثاني: وهو الجمل التي لا موضع لها من الإعراب. فقال: هي تسع: 1- الابتدائية. 2- والاعتراضية. 3- والصلة. 4- والتفسيرية. 5- وجواب القسم. 6- والواقعة بين أدوات التحضيض. 7- والواقعة بعد أدوات التعليق غير العاملة. 8- والواقعة جوابا لها. 9- والتابعة لما لا موضع له. وقد جمع هذا القسم والذي قبله في أبيات شعرية يسهل على القارئ حفظها ثم بسطها مع إيجاز يستطيع المريد أن يستنبط هذه الأحكام في صورة مجملة موجزة يسهل عليه استيعابها. ولا ريب في أن ابن أم قاسم كعادته، يعتمد على كثير من آراء نحاة العرب، ليستشف ما صلح منها، ولينهل من معينها. فنراه في الابتدائية في "حتى" عرض خلافا دار بين النحاة. فقال: فالجملة بعدها لا موضع لها من الإعراب، وذهب الزجاج وابن درستويه إلى أن الجملة بعد "حتى" في موضع جر بحتى وذلك خلاف الجمهور. وفي الجملة التفسيرية اعتمد على رأي أبي عليّ. فقال: والمشهور أنه لا موضع للجملة المفسرة من الإعراب، وقال الأستاذ أبو عليّ: والتحقيق أنها على حسب ما يفسر. وإن هذه الرسالة مع إيجازها واختصارها قد أفادت المراد وفتحت الطريق أمام الباحث كي يستنير بها ويهتدي بهديها. وكانت نبراسا لابن هشام في كتابه مغني اللبيب، حيث استفاد منها طريقة التقسيم والتنظيم، غير أنه جعل القسم الثاني في العدد كالأول. وقد قال ابن أم قاسم في آخرها: وقد تم الكلام على الجمل التي لا محل لها من الإعراب على سبيل الاختصار دون الإكثار. وفاته: لما كان تقيا ورعا وليا من أولياء الله أحسن الله له الخاتمة، فتوفي في يوم مبارك ميمون وهو عيد الفطر المبارك سنة 749هـ تسع وأربعين وسبعمائة من الهجرة1، وقيل: سنة 755هـ. "وذكر أن وفاته يوم عيد الفطر سنة 749هـ, وقد رأيت بخطي ولا أدري من أين نقلته: وكانت وفاته سنة 755هـ والله أعلم". ا. هـ2. ودفن بسرياقوس. وتوجهت إلى سرياقوس بحثا عن قبره فلم أعثر عليه، فلعله اندثر بين المقابر. نبذة عن سرياقوس: سرياقوس التي دفن بها المرادي المعروف بابن أم قاسم "هي قرية من قسم الخانقاه محافظة القليوبية موضوعة على الشاطئ الشرقي لترعة الإسماعيلية وفي غربي الخليج المصري بنحو مائتي متر، وفي غربي الخانقاه مائلة إلى الجنوب بنحو ثلاثة آلاف متر وخمسمائة وفي جنوب كفر حمزة كذلك، وأغلب أبنيتها بالآجر، ولها جامع بمنارة، وفيها من الجهة البحرية دوار أوسية للخديوي إسماعيل باشا، وفي مقابلتها قنطرة على الترعة الإسماعيلية، ويزرع في أراضيها صنف البصل والتنباك بكثرة، وكذا قصب السكر وله فيها عصارات، والعسل السرياقوسي مشهور في مصر بالجودة... وهي من البلاد القديمة... والسلطان محمد بن قلاون كان يتردد إلى سرياقوس كثيرا، وأنشأ في شرقيها ميدانا بالقرب من الخانقاه. وكان إنشاؤه سنة 723هـ ثلاث وعشرين وسبعمائة، وبنى فيه قصورا جليلة... ". ا. هـ. وفي رحلتي إليها وجدتها كما وصفها المؤرخون. عام الوفاة: رأيت أن أذكر شيئا عن العام الذي توفي فيه ابن أم قاسم حيث إنه ملئ بالنكبات والأمراض. "في عام تسع وأربعين وسبعمائة". الفناء وقع بالديار المصرية وعم سائر البلاد، فكان يخرج من القاهرة في كل يوم ما ينوف عن عشرين ألف جنازة، وقد ضبط في شهر شعبان ورمضان فبلغ عدد من مات فيهما من الناس نحو تسعمائة ألف إنسان, ولم يسمع بمثل هذا الطاعون فيما تقدم من الطواعين المشهورة في صدر الإسلام. قال الشيخ شمس الدين الذهبي: إن الطواعين المشهورة في مبتدأ الإسلام خمسة: "وهي طاعون شيرويه، وطاعون عمواس كان في زمن عمر بن الخطاب... وطاعون الجارف وقع في زمن عبد الله بن الزبير... وطاعون الفتيات كان بالبصرة وواسط... وطاعون جاء في سنة إحدى وثلاثين ومائة من الهجرة يسمى طاعون قتيبة...". فلم يسمع بطاعون هذه السنة؛ لأنه عم البلاد قاطبة، ومات فيه من الناس ما لا يحصى عددهم من مسلم وكافر، وأقام دائرا في البلاد نحو سبع سنين حتى عزت جميع البضائع لقلة الجالب في البلاد، وبلغ ثمن الراوية من الماء اثني عشر درهما بالقاهرة. وسبب ذلك موت الجمال، وبلغ طحن الأردب القمح خمسة عشر درهما، ولم يزرع من أراضي مصر في تلك السنة إلا القليل بسبب موت الفلاحين وعدم من يزرع، فوقع الغلاء حتى بيعت كل ويبة قمح بمائتي درهم، وكادت مصر أن تخرب في تلك السنة، ووقع الطعن أيضا في القطط والكلاب والوحوش. وفي تاريخ مصر لابن إياس ج1 ص191: "نقل ابن حجر في كتاب بذل الماعون في أخبار الطاعون. قيل: لما زاد أمر الطاعون بالديار المصرية أمر بعض العلماء بأن الناس يخرجون قاطبة إلى الدعاء برفعه فخرج الناس قاطبة إلى الصحراء، وفعلوا كما يفعلون في الاستسقاء، فلم يفد ذلك شيئا, بل زاد أمر الطاعون حتى عم سائر البلاد، ودخل مكة، ولم يعهد هذا قط سوى هذه السنة". ا. هـ. ومع انتشار هذا الداء الوبيل لم يثبت مؤرخ من المؤرخين أن ابن أم قاسم المرادي مات بسبب هذا الطاعون. مع أن كثيرا من علماء وقته ابتلوا بهذا البلاء أمثال الشيخ شمس الدين اللبان شيخ المرادي، والشيخ أحمد بن مكتوم النحوي، وأبي عبد الله بن الصائغ، وغيرهم. وأقول: إن هذا الأمر يضاف إلى كرامات ابن أم قاسم التقيّ الوليّ. "رحمه الله رحمة واسعة".
|